الجذر الثلاثي
بعدما أن تطرقنا إلى
الجذور الثنائية التي تتكون من حرفين قدرها النحاة ب (√ف.ع)، هناك صنف آخر
من الجذور تتكون من ثلاثة أحرف أصول قدرها النحاة ب(√ف.ع.ل).
وقد ورد هذا النوع من الجذر بكثرة في المعاجم
العربية حتى اعتقد بعض النحاة القدماء أنه الأصل في الجذور، مثل: الفراء والكسائي، بقولهما أن الجذور الرباعية والخماسية ما هي إلا جذور ثلاثية مزيدة بحرف
أو حرفين.
يقول الاسترباذي:
"اعلم أن مذهب سيبويه وجمهور النحاة أن الرباعي و الخماسي
صنفان من غير الثلاثي، وقال الفراء والكسائي: بل أصلهما الثلاثي، قال الفراء:
الزائد في الرباعي حرفه الأخير وفي الخماسي الحرفان الأخيران، وقال الكسائي:
الزائد في الرباعي الحرف الذي قبل آخره" [1].
غير أن هذا الأمر غير
صحيح؛ حيث لا تؤكده المعاجم العربية التي خصصت دخلات للجذر الثلاثي والرباعي والخماسي،
لكن وجب القول أن أكثر الجذور اطردا واستعمالا هي الجذور الثلاثية. يقول ابن جني:
أن الأصول ثلاثة:
ثلاثي، ورباعي، وخماسي. فأكثرها استعمالا، وأعدلها تركيبا، هو الثلاثي.
وعلل قوله بكثرة مفردات اللغة
العربية ذات الأصول الثلاثية؛ حين قال:
"وليس اعتدال الثّلاثي
لقلة حروفه حسب؛ لو كان كذلك لكان الثّنائي أكثر منه؛ لأنه أقل حروفا، وليس الأمر
كذلك؛ ألا ترى أن جميع ما جاء من ذوات الحرفين جزءٌ لا قدرَ له فيما جاء من ذوات
الثلاثة؛ نحو: مِنْ،
وفي ، وعن، وهل، وقد، وبل، وكم، ومَنْ،
وإذ، وصه، ومهْ. ولو شئتُ لأثبتُ جميع ذلك في هذه الورقة…وأقل منه ما جاء على حرف واحد؛ كحرف العطف وفائه… فتمكن الثّلاثيّ إنما هو لقلة حروفه، ولشيء آخر وهو حجز الحشو –الذي هو عينه- بين
فائه ولامه؛ وذلك لتباينهما، ولتعادي حاليهما؛ ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا
متحركا، وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكنا؛ فلما تنافرت حالاهما وَسَّطوا العين
حاجزاً بينهما؛ لئلاَّ يفجئوا الحِس بِضد ما كان آخذا فيه، ومنصَبًّا إليه"[2]
ومن الأقوال التي تؤكد
أيضا أن الثلاثي أكثر الجذور استعمالا، هو ما جاء به سيبويه بجعل الثلاثي أول الأصول فيما تصرف من كلام العرب؛ حين قال :
وذكر ابن القوطية في
كتاب الأفعال: "أن أقل ما بنيت عليه الأسماء والأفعال ثلاثة أحرف فما رأيته
ناقصا عنها فاعلم أن التضعيف دخله مثل: فرّ – ردّ وما زاد على ثلاثة أحرف فبحروف
الزوائد الداخلة فيه"[5].
على الرغم من هذا كله،
فإن الدارسين العرب القدماء اكتفوا بصياغة النظرية وبناء أسسها التي تؤكد على أن
الأصل ثلاثي دون ذكر إحصائيات دقيقة، ونسب و معتمدات أساسية التي يقوم عليها الجذر
الثلاثي.
وفي هذا الصدد يقول
أنيس فريحة:
"تُردّ الكلمات في جميع اللغات السامية إلى جذور ثلاثية
نفترضها افتراضا بمعنى أننا لا نعرف كيف كانوا ينطقون هذا الجذر، ولا نعلم علم
اليقين كيف استعملوه: إسما أم فعلا أم صفة .. وقد قدر أحدهم إمكانات الاشتقاق
بأكثر من 120 وزنا، أي أننا نستطيع أن نشتق من جذر -علم- أكثر من 120 وزنا لمعان
مختلفة"[6].
ويمكن تقسيم الثلاثي
إلى قسمين اثنين:
1-1 جذور ثلاثية سالمة
يتكون هذا النوع من
الجذور الثلاثية السالمة من ثلاثة صوامت غير متجانسة أو متماثلة، والمراد
بسلامتها؛ أي خلوها من أي تكرير أو تضعيف أو زيادة. ونجدها وفق ترتيب نفسه في جميع
الألفاظ المتصرفة من الأفعال والأسماء والصفات.
ولمعرفة عدد جذور الثلاثي
وجب تحديد موازينه العروضية، وقد ذكر محمد الوادي في مقاله "أصناف الجذور في
المعجم العربي "أن
الجذور الثلاثية السالمة ترد على نوعين من الموازين العروضية [7]:
(أ)- الميزان العروضي
الأول يتكون من مقطع واحد، هو المقطع المديد [ س ح س س] كما في الأمثلة التالية [8]:
في الأسماء مثلا: (قد تخرج الجدول على الهوامش من خلال تتبعكم للموضوع عبر الهاتف، المرجو تغيير وضعية الهاتف أو قراءة الموضوع من الحاسوب )
الجذر (√ ف ع ل )
|
الميزان العروضي [س ح س س]
|
الكلمة
|
|
√ ف ه د
|
ف –َ ه د
|
فَهْد
|
|
√ ص ق ر
|
ص –َ ق ر
|
صَقْر
|
|
√ ص خ ر
|
ص –َ خ ر
|
صَخْر
|
|
في الصفات مثلا :
الجذر (√ ف ع ل )
|
الميزان العروضي [س ح س س]
|
الكلمة
|
√ ض خ م
|
ض-َ خ م
|
ضَخْم
|
√ ص ع ب
|
ص –َ ع ب
|
صَعْب
|
√ س ه ل
|
س –َ ه ل
|
سَهْل
|
(ب)- وقد وردت الجذور
الثلاثية السالمة أيضا على ميزان عروضي، الأول قصير مفتوح [س ح]، والثاني طويل
مغلق [س ح س]، والمقطعان يكونان ميزان عروضي واحد [س ح س ح س]، فمن أمثلة ذلك:
في الأسماء مثلا [9] :
الجذر (√ ف ع ل )
|
الميزان العروضي [س ح س ح س]
|
الكلمة
|
√ر ج ل
|
ر -َ
ج -ُ ل
|
رَجُل
|
√ ض ب ع
|
ض –َ ب –ُ ع
|
ضَبُع
|
√ ح م ل
|
ج –َ م –َ
ل
|
جَمَل
|
√ س ب ع
|
س –َ ب –ُ ع
|
سَبُع
|
√ ء ب ل
|
إ –ِ ب –ِ ل
|
إِبِل
|
في الصفات مثلا [10]:
الجذر (√ ف ع ل )
|
الميزان العروضي [س ح س ح س]
|
الكلمة
|
√ ح ذ ر
|
ح –َ د –ُ ث
|
حَدُث
|
√ ن د س
|
ن –َ د –ُ س
|
ندس
|
√ خ ل ط
|
خ –َ ل –ُ ط
|
خلط
|
نستشف مما سبق، أن هناك ميزانين عروضيين [س ح س
س ]، و [س
ح س ح س] استعملتهما العرب كقوالب لتحديد الجذور الثلاثية السالمة. وقد لاحظ
النحاة العرب القدماء عدم ورود صيغة "فُعِل" سواء في الأسماء أو الأفعال
أو الصفات وغيرها من المقولات، وهو ما عبر عنه سيبويه بقوله "واعلم أنه ليس
في الأسماء والصفات فُعِل ولا يكون إلا في الفعل، وليس في الكلام فِعُل" [11].
وقد برر العرب القدماء عدم وجود هذا النوع من
الوزن (فِعُل) نظرا لاستثقاله في نطق مخارج جذوعه، وذلك بالانتقال من الكسرة إلى
الضمة على غرار باقي الأوزان الأخرى.
2-1 جذور ثلاثية مكررة
بالإضافة إلى ما سبق
فإن هناك جذور ثلاثية مكررة الفاء و اللام نحو:
(√ ف م ع
ل م) (م = مكرر)، وتتسم
هذه النوعية من الجذور بالقلة القليلة بالمقارنة مع الجذور الثلاثية السالة.
وقد اعتبر الدارسون العرب القدماء منهم أو
المحدثين أن أصل هذه الصوامت المكررة أصلية كلها، قال ابن جني:
"اعلم أنه متى اجتمع معك في الأسماء و الأفعال حرف أصل ومعه
حرفان مثلان لا غير، فهما أصلان، متصلين كانا أو منفصلين ... أما المنفصلان فنحو:
دعد، وتوت، وطوط، وقلق، وساس"[12].
يتوزع هذا الصنف من
الجذور على المعاجم العربية القديمة على الرغم من قلتها، فقد ذكر محمد الوادي بعد
تتبعه لسلوك هذا الصنف من الجذور في خمسة معاجم عربية (العين، والجمهرة، والمقاييس، واللسان، وديوان الأدب) على أن هناك 45 جذرا، منها 32 جذرا،
اشتقت منها مختلف المقولات في اللغة العربية، فعلية كانت أو غير فعلية، أما الباقي
فلم تشتق منه العرب أفعالا بل أسماء وصفات، مثل اشتقاقهم من الجذر الثلاثي المكرر،
√ د ع د: دعد، ودعداء، وأدعد،
ودُعود، ودَعْدات؛ ومن √ غ و غ: غاغة، وغَوْغاء، وغاغٌ؛ ومن √ ف ي ف:
فيفاء، وأفياف، وفيافي[13].
فبمقارنتنا بين الجذور
الثلاثية السالمة والجذور الثلاثية المكررة، نلاحظ أن عدد الجذور الثلاثية السالمة
أكثر بكثير من عدد جذور الثلاثي المكرر، وترجع أسباب قلة هذا الأخير إلى قيد صاغة
ليبن سنة (1973)، بعدما أن لاحظ وروده في اللغات النغمية. ويسمى هذا القيد بمبدأ
المحيط الإجباري، الذي يمنع تجاور الأصوات المتماثلة، خاصة في المواقع المتجاورة
من الكلمة.
وقد ورد في سر صناعة
الإعراب لابن جني عن عدم السماح للأصوات المتماثلة في المواقع المتجاورة، ولكنه
يقبل ذلك في المواقع غير المتجاورة، بقوله: "العرب جعلت الفاء و اللام من لفظ واحد كثير نحو سلسل، وقلق،
وحرح، ودعد، وفيف ... ولم نرهم جعلوا الفاء والعين واللام من موضع واحد ... فأما
ما أنشدناه أبو علي من قول هند بنت أبي سفيان لابنها عبد الله بن الحارث:
لأنكحنَّ ببَّــــهْ جاريةَ خدَبَّـــــهْ
مُكْرمَةَ محبَّـــهْ تجُبُّ أهل الكعبــــهْ
فإنما (ببة) حكاية
الصوت الذي كانت ترقصه عليه، وليس باسم، وإنما هو ك(قَبْ) لصوت وقع السيف،
و(طيْخْ) للضحك، ومثله صوت الشيء إذا تدحرج (ددن)، فإنما هذه أصوات ليست توزن، ولا
تمثل بالفعل، بمنزلة (صهْ) و (مَهْ) ونحوهما"[14]. أي أن هناك بعض الأصوات
سمعت عند العرب القدماء، وما هي إلا محاكاة لبعض الأصوات، والتي لا جذر لها، ولا
يمكن الاشتقاق منها. فبالتالي لا يمكنها أن تدخل ضمن قائمة المعاجم العربية؛ لأنها
لم تحترم قواعد تكوين الجذر.