المبتدأ والخبر (كتاب شرح المفصل لابن يعيش).

بحث حول: المبتدأ و الخبر

حاول صاحب كتاب (شرح المفصل) توضيح وتفسير المعطيات التي تتعلق بالمبتدأ والخبر لكني سأتطرق إلى تعريفهما واستخلاص ما يريد قوله الزمخشري في هذا الصدد:
يصرح بأنهما اسمان مجردان للإسناد مثلا "زيد منطلق" ويوضح بأن التجريد هو إخلاؤهما من كان وإن وأخواتهما. لأن المبتدأ يشترط أن يكون مرفوعا ولا تدخل عليه العوامل اللفظية لأنها تخصبه في رفعه لتلعب به تارة مرفوعا وتارة منصوبا مثلا: كان "زيد قائما" و "إن زيد قائم". وإذا كان كذلك خرج حكم المبتدأ والخبر إلى شبه فعل والفاعل وهذا دليل على قول صاحب الكتاب غصبتهما في الرفع "وقوله " المجردان للإسناد، ويوضح هذا القول أنك إذا قلت زيد دون العوامل اللفظية ولم تخبر عن شيء كان بمنزلة صوت تصويته ولا يستحق الإعراب وقد اختلف العلماء بأن الخبر يرفع المبتدأ والمبتدأ يرفع الخبر حيث أن كل واحد منهما يحتاج للآخر.
هذا تعريف الكوفيون ولا يجتمع الشيء أن يكون عاملا ومعمولا في حال واحدة لقوله تعالى "أينما تكونوا يدرككم الموت"  ف "أينما" منصوب لتكونوا لأنه الخبر بتكونوا مجزوم بأينما.
وذهب البصريون إلى أن المبتدأ يرفع الابتداء وهو معني ثم اختلفوا فيه حيث دهب بعضهم إلى أن المعنى معني هو الإخلاء من العوامل اللفظية وقال آخرون هو إسناد الخبر إليه. والصحيح أن الابتداء اهتمامك بالاسم وجعلك إياه الثاني كان خبرا عنه. والأولية معنى قائم به يكسبه القوة إذ كان غيره متعلقا به. وكانت رتبته متقدمة على غيره. وأما العامل في الخبر يرتفع بالابتداء وحده وهو ذهاب آخرون إلى أن الابتداء والمبتدأ جميعا يعملان في الخبر. قالوا بأننا وجدنا الخبر لا يقع إلا بعد المبتدأ والابتداء.
والذي أراه أن العامل في الخبر هو الابتداء وحده على ماذكر كما كان عاملا في المبتدأ إلا أن عمله في المبتدأ بلا واسطة وعمله في الخبر بواسطة المبتدأ. يعمل في الخبر عند وجود المبتدأ وإن لم يكن للمبتدأ أثر في العمل إلا أنه كالشرط في عمله كما لو وضعت ماء في قدرة ووضعتها على النار فإن النار تسخن الماء فالتسخين حصل بالنار عند وجود القدر. وذهب قوم إلى أن الابتداء عمل وحده عمل في الخبر وهذا ضعيفا لأن المبتدأ اسم كما أن الخبر اسم وليس أحدهما بأولى من صاحبه في العمل حيث أن كل واحد منهما يقتضي صاحبه.
وقال صاحب الكتاب المبتدأ نوعان معرفة وهو القياس، ونكرة إما موصوفة كالتي في قوله تعالى: "ولعبد مؤمن" وإما غير موصوفة في قولهم: "أرجل في الدار أم امرأة". وما أحد خير منك وشر أهر فأناب وتحت رأسي سرج وعلى أبيه درع، فالمعرفة تكون للمبتدأ ونكرة للخبر فإنك  تبتدئ بالاسم الذي يعرفه المخاطب فإنما ينتظر مالا يعلمه. 
والخبر على نوعيين مفرد وجملة،  فالمفرد على ضربين خال من الضمير ومتضمن له وذلك مثلا: "زيد غلامك وعمر منطلق". وإن خبر المبتدأ هو الخبر المستفاد منه والذي يدل على التصديق والتكذيب آلا ترى أنك إذا قلت "عبد الله منطلق"  فالصدق والكذب وقعا في  الانطلاق عبد الله وليس في عبد الله لأن الفائدة في انطلاقه.
والخبر حاملا لضمير وخاليا منه نحو قوله "زيد ضارب "و"عمر مضروب" فكل واحد من الصفات ضمير مرفوع بأنه فاعل لأنه لابد من إسناد الفعل وهو مسند إليه ولا يصح تقديم المسند إليه على المسند.
إن الجملة تكون خبر للمبتدأ وإذا وقعت خبرا كانت نائبة عن المفرد والأمر الثاني أن المبتدأ نظير الفاعل في الأخبار، والخبر هو الجزء المستفيد منه واعلم أن الخبر إذا وقع ظرفا أو جار ومجرور نحو "زيد في الدار" و"عمرو عندك" ليس الظرف بالخبر على الحقيقة لأن الدار ليست من زيد في شيء وإنما الظرف معمول للخبر ونائب عنه، وأن الإخبار بالظرف من قبيل المفردات إذا كان يتعلق بمفرد فتقديره مستقر. أو كائن ونحوهما والحجة في ذلك أن أصل الخبر أن يكون مفردا على ماتقدم وإذا قلت "زيد عندك " فعندك ظرف منصوب بالاستقرار المحذوف سواء كان فعلا أو اسما وفيه ضمير مرفوع وقال صاحب الكتاب أن لابد في الجملة الواقعة خبرا من ذكر يرجع إلى المبتدأ. وقولك "في الدار" معناه استقر فيها وقد يكون راجع معلوما فيستغنى عن ذكره وذلك في قوله تعالى: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور".
ويفسر مما سبق أن خبر المبتدأ إذا وقع جملة فعلية كانت أو اسمية أو شرطية أو ظرفية. فلابد فيها من ضمير يرجع إلى المبتدأ أي يربطها بالمبتدأ لئلا تقع أجنبية من المبتدأ في قوله إذا قلت "زيد في الدار" معناه استقر فيها يعني أنه يتعلق بمحذوف وقد تقدم إذا كان الخبر جملة إنه يجوز حذفه وإسقاطه مع شدة الحاجة إليه.
ويجوز تقديم الخبر على المبتدأ كقولك في قوله تعالى: "سواء محياهم ومماتهم وسواء أندرتهم أم لم تنذرهم" المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه وقولك: "قائم زيد"، "ذاهب عمر" وقائم خبر عن زيد وقد تقدم عليه وكذلك ذاهب خبر عن عمرو، ألا ترى في الجملة الأولى قائم ضمير زيد بدليل أنه يظهر في التثنية والجمع، فنقول "قائمون الزيدون" و"قائمان الزيدانفنقول أن تقديم المضمر عن الظاهر إنما يمتنع إذا تقدم لفظا نحو: " ضرب غلامه زيد" ألا ترى أن الغلام هنا مفعول ومرتبة المفعول أن يكون بعد الفاعل فهو إذا تقدم لفظا هو مؤخرا تقديرا وحكما وإذا كان الظاهر متأخرا لأنه في حكم المقدم من حيث كان فاعلا في قولهم: "في أكفانه لف الميت".
واعلم أن "لولا" حرف يدخل على جملتين إحداهما مبتدأ و خبر والأخرى فعل وفاعل فتعلق إحداهما بالأخرى وترابطها بها كما يدخل حرف الشرط على الجملتين الفعليتين فيربط إحداهما بالأخرى فتصيران كالجملة الواحدة، فنقول "قام زيد" "خرج محمد" فهاتان الجملتان متباينتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى.
وقال الكوفيون الاسم الواقع بعد لولا يرتفع بلولا  نفسها لنيابتها عن الفعل والتقدير "لولا" يمنع زيد وهذا ضعيف لوجوه منها إنه لو كان الامر على ما ادعوه لجاز وقوع أحد بعدها لأن أحد يعمل فيها النفي والوجه الثاني أنه لو كان معناه النفي على ما ادعوه لجاز أن تعطف عليه بالواو ولا لتأكيد النفي فتقول: "لولا زيد ولا خالد لأكرمتك" والوجه الثالث أن الحرف إنما يعمل إذا اختص بالمعمول نحو حروف الجر  فإنما مختصة بالأسماء نحو حروف الجزم التي اختصت بالدخول على الأفعال  و "لولا" هذه غير مختصة بل تدخل على الاسماء نحو "لولا زيد لأكرمتك" يعني أن حذف الخبر لسد الفاعل مسده وقال صاحب الكتاب ان من حق المبتدأ أن يأتي معرفا والخبر نكرة وقد يكونان معرفان معا  نحو "زيد أخوك " "عمرو المنطلق" و"محمد نبينا" وكذلك إذا قلت: "زيد المنطلق" فالمخاطب يعرف زيدا ويعرف أن شخصا انطلق ولا يعلم أنه زيد فيقال زيد المنطلق فزيد معروف بهذا الاسم منفردا والمنطلق المعروف بهذا الاسم منفردا.
يفصل صاحب الكتاب وقد يجيء المبتدأ خبران فأكثر كقولك "هذا حلو حامض" ويفسر هنا أنه يجوز للمبتدأ خبران فصاعدا كما قد يكون له أوصاف متعددة من جهة اللفظ لكن الخبر واحد من جهة المعنى.
واعلم أنك إذا أخبرت بخبرين أو أكثر كان العائد على المخبر عنه راجعا من مجموع الجزأين والمراد بالعائد المستقل به جميع الخبر وذلك إنما يعود من مجموع الاسمين فأما كل واحد منهما على الإنفراد ففيه ضمير يعود إليه لا محالة من حيث كان راجعا إلى معنى الفعل وإذا تضمن المبتدأ معنى الشرط جاز دخول الفاء على خبره وذلك على  الاسم الموصول والنكرة الموصوفة إذا كانت الصفة أو الصلة فعلا أو ظرفا كقوله تعالى: "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم". واعلم أن الأسماء على نوعين منها ماهو عار من معنى الشرط والجزاء ونوع يتضمن الشرط والجزاء فالأول نحو: “زيد عمرو" هنا لم تدخل الفاء في خبر وتقول "زيد منطلق" ولو قلت "زيد فمنطلق" لم يجز وكان أبو الحسن يجيز دخول الفاء، وورد عنهم كثيرا مثلا: "حكى أخوك فوجد علي".
 فالأسماء الموصولة والنكرات الموصوفة، فالأولى نحو الذي والتي وأخواتها فهذه الأسماء لا تتم إلا بصلات وعائد، وصلاتها تكون جملة خبرية أما الثانية فتتعلق بالفعل أو الظرف أو الجار والمجرور نحو: "كل رجل يأتيني" حكمه حكم الموصول في دخول الفاء في خبرها بالشرط والجزاء والإبهام كالموصول لأن النكرة في إبهامها كالموصول وإذا دخلت على الموصول والنكرة الموصوفة الحروف الناصبة للمبتدأ أوالرافعة للخبر، وهي (إن وكأن وليت ولعل) ولكن ذهب سيبويه إلى (أن وكأن وليت ولعل) تمنع من دخول الفاء في الخبر تغير اللفظ و المعنى فهي جارية مجرى الأفعال العاملة. وقال الأخفش: لا يجوز دخول الفاء مع أن لأنها عاملة كأخواتها في قوله تعالى:"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هو يحزنون".

خلاصة المبتدأ والخبر

ويعتبر كتاب شرح المفصل لابن يعيش نموذجا وظيفيا في النحو العربي، فقد اعتمد فيه ابن يعش على مجموعة من الآليات الوصفية الاستنباطية، التي تهدف إلى تفصيل وتوضيح وشرح قواعد النحو، حتى يتمكن القارئ الباحث من استيعاب هذا الحقل المعرفي اللساني ومن هذه الآليات نجد الإستشهادات والأمثلة موضحة لمجال النحو.
 هذا ما حاولت توضيحه فيما يخص المبتدأ والخبر فهما بحر شاسع وطويل المدى في الحديث عنهما وهو مشوق كذلك، أمل أن تكون الصورة واضحة نوعا ما عن هذين الاسميين في هذا التحليل، فإن أصبت فتلك غايتي وإن أخطأت فألتمس العذر.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-